منتديات طلبة فلسفة بوزريعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات طلبة فلسفة بوزريعة

مرحبا بكم في منتديات طلبة بوزريعة للعلوم الاجتماعية والانسانية قسم الفلسفة خاصة

منتديات طلبة بوزريعة منتدى حواري ترفيهي يقدم يد المساعدة لكل الطلبة .................زريارتكم تشرفنا

    مابعد الحداثة - حالة نيتشه - 6 -

    المدير العام
    المدير العام
    Admin


    عدد المساهمات : 190
    نقاط : 425
    تاريخ التسجيل : 16/01/2010

    مابعد الحداثة - حالة نيتشه - 6 - Empty مابعد الحداثة - حالة نيتشه - 6 -

    مُساهمة من طرف المدير العام الإثنين مارس 15, 2010 12:28 pm


    مابعد الحداثة - حالة نيتشه - 6 -
    :34
    أهلا بالقراء الكرام
    لا زالت رحلتنا مع نيتشه مستمرة، وأتمنى أن تجدوا فيها متعة وفائدة في الحلقة السادسة.
    *******

    القوى "الفاعلة" أو إثبات الجسد:
    كيف تعبر عن نفسها في الفن – وليس في العلم-
    في نظرة "أرستقراطية" للعالم


    لقد أشرت سابقا ، إلى أن القوى الفاعلة، وعلى عكس الارتكاسية، يمكن لها أن تظهر في العالم وتخلف فيه آثارها دون حاجة إلى هدم أو كظم قوى أخرى غيرها. وتجد هذه القوى مجالها الحيوي الطبيعي في الفن، وليس في الفلسفة أو العلم. فكما يوجد تكافؤ ضمني بين الارتكاس/والبحث عن الحقيقة/ والديمقراطية/ ورفض العالم الحسي لصالح عالم عقلي؛ كذلك يوجد خيط "أريان" يربط بين الفن والأرستقراطية ، وتقديس العالم الحسي أو الجسدي، والقوى الفاعلة.
    إن الفنان، وعلى عكس الإنسان النظري، سواء كان فيلسوفا أو عالما، هو بامتياز مَن يضع القيم دون مناقشة، هو من يفتح لنا "آفاق الحياة"، ويُبين مشروعية ما يقترح، دون أن يبرهن عليها بدحض أعمال أخرى سابقة على عمله. كذلك الأمر بالنسبة للأرستقراطي، فالنبوغ يحكم دون التدليل ضد أي كان وكيفما كان. وهنا لابد أن تسجل أن هذا ما دفع نيتشه إلى قول: " إن ما يحتاج إلى البرهنة كي يُصَدق، لا يساوي شيئا [تافه لا قيمة له]".
    من البديهي أنك يمكن أن تحب الموسيقى الكلاسيكية، والروك ، والتيكنو، وتحب التشكيل الهولندي أو المعاصر، دون أن تخطر على بال أحد أن يفرض عليك اختيار إحداها على حساب الأخريات. بخلاف البحث عن الحقيقة حيث ينبغي الحسم في لحظة ما: الصواب مع كوبرنيك ضد بطليموس، وفيزياء نيوطن أصدق من فيزياء ديكارت. ولا تتجلى الحقيقة إلا بإبعاد الأخطاء التي يعج بها تاريخ العلوم. في حين أن تاريخ الفن، هو المجال الذي يمكن أن تتعايش فيه أعمال حتى المتعارضة فيما بينها؛ وهذا لا يعني غياب تام لكل توثر أو تنازع بينها؛ بل بالعكس ، إذ غالبا ما تكون الصراعات في المجال الاستتيقي أكثر عنفا وتشويقا، ولا تحسم أبدا بمنطق الخطأ والصواب، فتبقى منفتحة دوما على إمكانية الإعجاب والتقدير بين مختلف المتنازعين. ولا يمكن أن نفكر في أن أحدا يمكن أن يقول: إن شوبان أصدق من باخ ، أو رافيل أخطأ بحق موزارت مثلا ! .
    مما لا ريب فيه، أن هاهنا، ومنذ فجر الفلسفة في بلاد الإغريق، يتصارع نمطان من الخطاب، وتصوران لاستعمال الكلمات: أحدهما النموذج السقراطي والارتكاسي الذي يبحث عن الحقيقة بالحوار ، ولا يصل إليها إلا عن طريق معارضة كل أوجه الجهل والسخافة وسوء الطوية. وثانيهما، الخطاب السفسطائي الذي لا يستهدف الحقيقة، ولكنه يبحث ببساطة عن الإغراء و الإقناع، وإنتاج آثار فيزيقية خالصة على الجمهور، بواسطة قوة الكلمة، لحملهم على الانخراط. السجل الأول هو سجل الفلسفة والعلم، حيث اللغة ليست سوى وسيلة أو أداة لخدمة حقيقة متعالية عليها ، الحقيقة العقلية والديمقراطية التي تفرض نفسها ،طال الزمن أم قصر، على كل واحد. السجل الثاني هو سجل الفن والشعر، حيث لم تعد الكلمات مجرد وسائل، وإنما غايات في ذاتها، تتساوى في قيمتها بمجرد ما تنتج آثارها الاستتيقية، على من يستطيع تمييزها وتذوقها. إن كلمة aisthésis بالإغريقية تعني الإحساس ،وفي الغالب إحساس جسدي تقريبا .
    يتجلى هذا التعارض، في إحدى الطرق التكتيكية المستعملة من طرف سقراط ،في مناظراته الحوارية ضد السفسطائيين : في الوقت الذي ينهي فيه سفسطائي كبير مثل جورجياس أو بروتاجوراس خطابه المبهر أمام جمهور لازال مأخوذا بسحره، يتظاهر سقراط بعدم الفهم، أو أنه يتعمد الحضور متأخرا عن الحفل، وهي حجة ملائمة كي يطلب من الخطيب أن "يلخص كلامه"، وأن يصوغ اختصارا إن أمكن، المضمون الأساسي لخطابه. أنت تعلم أن هذه العملية مستحيلة – هذا ما يجعل طلب سقراط، في نظر نيتشه، يعود إلى خبث خالص !- فاختزال حوار عاطفي إلى "نواته العقلية"، هو كما لو أنك طلبت من شاعر تلخيص قصيدته الشعرية. ولا يجد سقراط حرجا في تسجيل النقط : بمجرد ما يرتكب خصمه خطأ الدخول في لعبته، فلا محالة أنه خاسر، إذ من الواضح أن الذي يهم في الفن ليس مضمون الحقيقة ، وإنما سحر العواطف الحساسة، وهذه لا يمكنها أن تقاوم اختبار الاختزال والتلخيص.
    هاهنا يمكن أن ترى المعنى الذي قصده نيتشه في النص السالف الذكر، حينما أثار سماجة سقراط، أو أقرنها بالإيديولوجيا الديمقراطية ، أو عندما ندد ،في نفس الكتاب ،بـ"خبث الكسيح" الذي يستلذ بتوجيه "طعنات سكين القياس"ضد محاوريه: ينبغي ألا ترى في هذه الصياغات المتعددة ذات الدلالة الفاشية، سوى قرف اتجاه إرادة الحقيقة ( على الأقل في صورها العقلانية الارتكاسية التقليدية، إذ عليك أن تدرك جيدا أن نيتشه هو الآخر، يبحث عن حقيقة من نوع آخر، علينا أن نحددها بمعنى ما إن أمكن).
    كذلك، عندما يتحدث عن "التطور الهجين"، ويقرن فكرة التهجين بفكرة الانحطاط، ينبغي ألا تشتم فيها رائحة العنصرية، حتى ولو كانت دلالة الخطاب تجبرنا على التفكير فيها. ومهما كانت الصياغة ملتبسة بل ومزعجة، فإنها تستهدف معنى أعمق، وتشير إلى ظاهرة علينا أن نوضحها: أعني أن القوى التي تتصادم وتتعارض فيما بينها، والتي يسميها التهجين، تُضْعف الحياة، وتجعلها أقل كثافة وغير جديرة بالاهتمام.
    وكما عرفنا الآن، فإن العالم، في نظر نيتشه، أو بالأحرى في سمعه لأن النظر مشكوك فيه، ليس "كسموس" أو نظاما، أو طبيعيا، كما كان عند القدماء؛ ولا يُبنى بإرادة الناس كما هو الأمر عند المحدثين؛ بل بالعكس، إنه عماء (كاووس)، قوى متعددة لا تختزل، غرائز ودوافع لا تكف عن التصادم فيما بينها: والحال أن المشكل هو عندما تتصادم هذه القوى ، فإنها تهدد باستمرار، ما بدواخلنا وما بخارجنا، وتتعارض فيما بينها، وبالتالي تتجمد، وتتناقص وتهْزُل.علاوة على أن الحياة في هذا الصراع تضعف ، وتصير أقل حيوية ، وأقل حرية وبهجة، وباختصار أقل قوة واقتدارا. بهذا يكون نيتشه قد أعلن عن بداية التحليل النفسي. وحسب هذا الأخير، فإن الصراع النفسي اللاواعي، أو التمزق الداخلي هو الذي يحول بيننا وبين أن نعيش حياة راضية، و يجعلنا مرضى، ويضعفنا ، ويمنعنا ، حسب عبارة مشهورة لفرويد ، من " الاستمتاع والتصرف".
    ارتكب كثير من مؤولي نيتشه، خصوصا إلى عهد قريب، خطأ جسيما حول فكره، وأريد أن تتجنبه: لقد اعتقدوا ، وبتسرع كبير، أن الحياة لكي تصير أكثر حرية ومرحا، فإن نيتشه قد اقترح إقصاء القوى الارتكاسية حتى تبقى القوى الفاعلة وحدها،، ويتحرر الإحساس والجسد برفض " جفاف العقل وبرودته".
    قد يبدو هذا منطقيا من الوهلة الأولى. وعليك أن تعلم أن مثل هذا "الحل" هو من النمط الذي سماه نيتشه "الحماقة" أو "السخافة" : إذ من البديهي أن رفض القوى الارتكاسية سيؤدي بنا إلى السقوط في شكل آخر من الارتكاس، مادام أننا سنعارض بدورنا جزءا من الواقع ! إن نيتشه لا يدعونا إلى أي شكل من الفوضى، وانعتاق الجسد أو "الإباحية"، بل بالعكس، إنه يدعونا إلى تركيز وترتيب مختلف القوى التي تشكل الحياة، والتحكم فيها قدر الإمكان.
    هذا ما يسميه نيتشه "الأسلوب العظيم". وبهذه الفكرة، سنقتحم أخيرا عمق أخلاق اللاأخلاقي.


    تبع)

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 9:12 am