نقـــــــاش مفتوح
تداعيات على هامش ملتقى الفلسفة وأسئلة الراهن
نظم قسم الفلسفة لجامعة الجزائر2 -بوزريعة- الملتقى الدولي السادس ليوم الفلسفة اختار له منظموه عنوانا طموحا: الفلسفة وأسئلة الراهن وعلى مدار يومين كاملين جالوا في مواضيع مختلفة، همهم المشترك استنطاق الواقع بكل ملابساته وتعقيداته من أجل فهمه وتحديد آفاق مستقبله.
ومن ضمن المداخلات التي حاولت الاقتراب من موضوع الندوة، لأن الكثير منها حدّثنا عن تاريخ الفلسفة ولم يحدثنا عن الراهن وهو موضوع الندوة، نجد مداخلة مصطفى شريف الذي تناول الموضوع القديم-الجديد، إشكالية الذات وعلاقتها مع الآخر. الذي لم يخرج عن الطرح التقليدي الذي يتهجم على الغرب المتطرف في استعمال العقل والعلم والعلمانية على حساب القيم الأخلاقية والروحية، وهو يلتقي في هذه النظرة مع الحركات الأصولية التي لا ترى في الغرب إلا بوصفه دار كفر وفجر ورذيلة، يقوده رجال مخنثون ونساء منحلات. وهذه النظرة تلتقي مع نصيحة المستشرقين للعالم العربي والإسلامي بأهمية التمسك بالقيم الروحية وعدم محاكاة الغرب في علمه وعقلانيته التي قادته نحو التفسخ الأخلاقي والتمرد على الدين والتقاليد.
ويبدو أن هذه الخديعة انطلت على الكثير من العقول العربية والإسلامية ليظل العرب والمسلمين في سبات عميق، فيصبحوا أدوات غبية بليدة في يد الغرب. وأرضهم مرتعا لشركات النهب الاستعماري لنهب ثـرواتهم وإبقائهم داخل دائرة التخلف. ولقد نسي هؤلاء أن الغرب منبع العلم والتقنية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى وأن صادفته صعوبات في مسيرته المظفرة فهو يملك من العقول والرجال والنساء، ومؤسسات العلم والمعرفة ما يجعله قادرا على التصدي لها وحلها. ولسنا في حاجة أن نذكر بقول فرانسيس بيكون إن المعرفة قوة.. وقبل كل ذلك نحن لسنا مؤهلين، لا علميا ولا حضاريا، بإسداء النصح لأن الأدنى لا ينصح الأعلى فمن باب أولى صبّ اهتماماتنا نحو الفساد والاستبداد والتخلف الحضاري.
أما ما لفت انتباهي أكثـر، موضوع آخر لا يقل أهمية وحساسية، وهي تلك الدعوات التي طالبت الفلسفة بالتماهي مع اليومي الذي يُقصد به جميع ما يشكل بنية المجتمع على الأصعدة المختلفة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. ولقد بدا لمن مثّل هذه الدعوة غياب ذات الفيلسوف في علاقته باليومي. لكن ذلك التحليل لم يتعد الصياغة اللغوية الجميلة وسحر البيان العربي فحرمه من استخلاص نتائج مهمة. جعل بعض المتدخلين يرون في ذلك إبعاد الفلسفة عن وظيفتها، مما يعني في نهاية التحليل دعوة لقتل الفلسفة.
إن اليومي أصبح يشكل انشغال حقول معرفية مختلفة من ضمنها الأدب المعاصر والرواية على وجه التخصيص، لكن الفلسفة لها خطاب خاص في مفرداته وأدواته نجده في ما يسمى بالأنثروبولوجة الفلسفية التي تركز على دور الذات الفاعلة، أو فعل العقل ضمن الواقع المعيش. وهذا ما يسميه الفيلسوف الوجودي كارل ياسبرس بالتجربة المعاشة حيث يُدرك الإنسان الدلالة الأنثروبولوجية العملية من خلال معظم أفعاله. ويذهب كانط وفيخته إلى حد اعتبار هذه الأنثروبولوجية علما عمليا. عندها تصبح الفلسفة وكأنها وُجدت من أجل اكتشاف اليومي وتتعامل معه بصدق وأمانة فلسفية. لكن هنا لا بد من لفت الانتباه إلى مسألة على غاية من الأهمية حتى لا نقع في الفهم الضيق، فلا يجوز أن نحمّل ذات الفيلسوف مسؤولية عدم التواصل، لأن المشكلة لا تكمن في غياب فعل العقل، أي محنة تواصل الفيلسوف مع الواقع، إنما تبرز بفعل هشاشة ورداءة الواقع المعيش.
إن الفلسفة هي الصفاء ولكي تحافظ على صفتها النقية تبتعد وتترفع وتضع مسافة بينها وبين التلوث بكل مستوياته وأشكاله، الاجتماعي والسياسي والديني، حتى تتمكن من استخلاص الحكمة التي هي ضالتها. وهذه ليست بالمهمة السهلة في وسط اجتماعي وثقافي وسياسي وديني مغشوش فقد جميع المعالم والمعايير والضوابط، فأصبحت مثُله العليا التملق والنفاق والوصولية والرداءة والانهيار الأخلاقي الشامل والعنف والشر بكل أشكاله وتجلياته المختلفة. وفي زمن أصبح فيه الجنس والمال وشهوة السلطة المحرك الأساسي للمجتمع. هذا يؤدي إلى خلق وعي سلبي يكرس اللامبالاة والسلبية وعدم الفاعلية ينتهي إلى اللاجدوى وهي في إحدى وجوهها عدمية تتجلى من خلال الابتعاد عن القيم الأصيلة، الفنية والجمالية والإنسانية والحس المرهف، ليحل محله العنف بجميع أشكاله ومستوياته اللفظي والجسدي، الفردي والجماعي، يمتد في أحيان كثيرة إلى مؤسسات الدولة. مما يؤدي حتما إلى تحطيم إنسانية الإنسان. لذا يُصبح لزاما علينا، بقليل من الاستقامة والشرف والنزاهة، أن نسترجع مهمة الفلسفة التطهيرية والوقائية. عندها نعرف ماذا تريد الفلسفة وما تقدر على فعله.
تداعيات على هامش ملتقى الفلسفة وأسئلة الراهن
نظم قسم الفلسفة لجامعة الجزائر2 -بوزريعة- الملتقى الدولي السادس ليوم الفلسفة اختار له منظموه عنوانا طموحا: الفلسفة وأسئلة الراهن وعلى مدار يومين كاملين جالوا في مواضيع مختلفة، همهم المشترك استنطاق الواقع بكل ملابساته وتعقيداته من أجل فهمه وتحديد آفاق مستقبله.
ومن ضمن المداخلات التي حاولت الاقتراب من موضوع الندوة، لأن الكثير منها حدّثنا عن تاريخ الفلسفة ولم يحدثنا عن الراهن وهو موضوع الندوة، نجد مداخلة مصطفى شريف الذي تناول الموضوع القديم-الجديد، إشكالية الذات وعلاقتها مع الآخر. الذي لم يخرج عن الطرح التقليدي الذي يتهجم على الغرب المتطرف في استعمال العقل والعلم والعلمانية على حساب القيم الأخلاقية والروحية، وهو يلتقي في هذه النظرة مع الحركات الأصولية التي لا ترى في الغرب إلا بوصفه دار كفر وفجر ورذيلة، يقوده رجال مخنثون ونساء منحلات. وهذه النظرة تلتقي مع نصيحة المستشرقين للعالم العربي والإسلامي بأهمية التمسك بالقيم الروحية وعدم محاكاة الغرب في علمه وعقلانيته التي قادته نحو التفسخ الأخلاقي والتمرد على الدين والتقاليد.
ويبدو أن هذه الخديعة انطلت على الكثير من العقول العربية والإسلامية ليظل العرب والمسلمين في سبات عميق، فيصبحوا أدوات غبية بليدة في يد الغرب. وأرضهم مرتعا لشركات النهب الاستعماري لنهب ثـرواتهم وإبقائهم داخل دائرة التخلف. ولقد نسي هؤلاء أن الغرب منبع العلم والتقنية والديمقراطية وحقوق الإنسان، حتى وأن صادفته صعوبات في مسيرته المظفرة فهو يملك من العقول والرجال والنساء، ومؤسسات العلم والمعرفة ما يجعله قادرا على التصدي لها وحلها. ولسنا في حاجة أن نذكر بقول فرانسيس بيكون إن المعرفة قوة.. وقبل كل ذلك نحن لسنا مؤهلين، لا علميا ولا حضاريا، بإسداء النصح لأن الأدنى لا ينصح الأعلى فمن باب أولى صبّ اهتماماتنا نحو الفساد والاستبداد والتخلف الحضاري.
أما ما لفت انتباهي أكثـر، موضوع آخر لا يقل أهمية وحساسية، وهي تلك الدعوات التي طالبت الفلسفة بالتماهي مع اليومي الذي يُقصد به جميع ما يشكل بنية المجتمع على الأصعدة المختلفة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والدينية. ولقد بدا لمن مثّل هذه الدعوة غياب ذات الفيلسوف في علاقته باليومي. لكن ذلك التحليل لم يتعد الصياغة اللغوية الجميلة وسحر البيان العربي فحرمه من استخلاص نتائج مهمة. جعل بعض المتدخلين يرون في ذلك إبعاد الفلسفة عن وظيفتها، مما يعني في نهاية التحليل دعوة لقتل الفلسفة.
إن اليومي أصبح يشكل انشغال حقول معرفية مختلفة من ضمنها الأدب المعاصر والرواية على وجه التخصيص، لكن الفلسفة لها خطاب خاص في مفرداته وأدواته نجده في ما يسمى بالأنثروبولوجة الفلسفية التي تركز على دور الذات الفاعلة، أو فعل العقل ضمن الواقع المعيش. وهذا ما يسميه الفيلسوف الوجودي كارل ياسبرس بالتجربة المعاشة حيث يُدرك الإنسان الدلالة الأنثروبولوجية العملية من خلال معظم أفعاله. ويذهب كانط وفيخته إلى حد اعتبار هذه الأنثروبولوجية علما عمليا. عندها تصبح الفلسفة وكأنها وُجدت من أجل اكتشاف اليومي وتتعامل معه بصدق وأمانة فلسفية. لكن هنا لا بد من لفت الانتباه إلى مسألة على غاية من الأهمية حتى لا نقع في الفهم الضيق، فلا يجوز أن نحمّل ذات الفيلسوف مسؤولية عدم التواصل، لأن المشكلة لا تكمن في غياب فعل العقل، أي محنة تواصل الفيلسوف مع الواقع، إنما تبرز بفعل هشاشة ورداءة الواقع المعيش.
إن الفلسفة هي الصفاء ولكي تحافظ على صفتها النقية تبتعد وتترفع وتضع مسافة بينها وبين التلوث بكل مستوياته وأشكاله، الاجتماعي والسياسي والديني، حتى تتمكن من استخلاص الحكمة التي هي ضالتها. وهذه ليست بالمهمة السهلة في وسط اجتماعي وثقافي وسياسي وديني مغشوش فقد جميع المعالم والمعايير والضوابط، فأصبحت مثُله العليا التملق والنفاق والوصولية والرداءة والانهيار الأخلاقي الشامل والعنف والشر بكل أشكاله وتجلياته المختلفة. وفي زمن أصبح فيه الجنس والمال وشهوة السلطة المحرك الأساسي للمجتمع. هذا يؤدي إلى خلق وعي سلبي يكرس اللامبالاة والسلبية وعدم الفاعلية ينتهي إلى اللاجدوى وهي في إحدى وجوهها عدمية تتجلى من خلال الابتعاد عن القيم الأصيلة، الفنية والجمالية والإنسانية والحس المرهف، ليحل محله العنف بجميع أشكاله ومستوياته اللفظي والجسدي، الفردي والجماعي، يمتد في أحيان كثيرة إلى مؤسسات الدولة. مما يؤدي حتما إلى تحطيم إنسانية الإنسان. لذا يُصبح لزاما علينا، بقليل من الاستقامة والشرف والنزاهة، أن نسترجع مهمة الفلسفة التطهيرية والوقائية. عندها نعرف ماذا تريد الفلسفة وما تقدر على فعله.