منتديات طلبة فلسفة بوزريعة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتديات طلبة فلسفة بوزريعة

مرحبا بكم في منتديات طلبة بوزريعة للعلوم الاجتماعية والانسانية قسم الفلسفة خاصة

منتديات طلبة بوزريعة منتدى حواري ترفيهي يقدم يد المساعدة لكل الطلبة .................زريارتكم تشرفنا

    الفكر العربي من قيادة حركة التحرر إلى الصراعات المصيرية الكبرى

    المدير العام
    المدير العام
    Admin


    عدد المساهمات : 190
    نقاط : 425
    تاريخ التسجيل : 16/01/2010

    الفكر العربي من قيادة حركة التحرر إلى الصراعات المصيرية الكبرى Empty الفكر العربي من قيادة حركة التحرر إلى الصراعات المصيرية الكبرى

    مُساهمة من طرف المدير العام الإثنين مارس 29, 2010 6:38 am

    الفكر العربي من قيادة حركة التحرر إلى الصراعات المصيرية الكبرى

    محمد نور الدين جباب

    جميع المهتمين بقضايا أمة العرب يجمعون أننا في منعرج تاريخي حاسم، قد يجرؤ البعض على توصيف ملامحه لكن لا أحد يغامر بتحديد مآله . لأننا في هذه اللحظة التاريخية نكون قد أسدلنا الستار عن مرحلة تاريخية ودخلنا أخرى، أسدلنا الستار عن مرحلة التحرر الوطني و فكر التحرر الوطني الذي اتسم بطابع أيديولوجي تحريضي تعبوي تجيشي. و لا يمكن أن يكون غير ذلك لأن طبيعة المرحلة التاريخية التي تفوق فيها الآخر و لا يزال يتفوق عسكريا وتقنيا واقتصاديا وحضاريا اقتضى من الفكر العربي البحث عن تعويض ثقافي فجند كل الترسانة التراثية و الروحية وجميع الرموز القادرة على التجنيد و التعبئة و التجييش وزجها في أرض المعركة فكانت عاملا أساسيا في تعبة الطاقات الشعبية الواسعة و زجها في معركة التحرير الوطني التي كان ينبغي أن تتكفل بها الأيديولوجية بكل أبعادها وتجلياتها حتى الدينية .ولقد تكرس هذا الفكر بعد الاستقلال وأصبح الأيديولوجية الرسمية للفئات التي قادت مهمة البناء الوطني لإضفاء بعدا فكريا لما سمي آنذاك الشرعية التاريخية و الثورية .
    لقد أُّسدل الستار عن تلك المرحلة التي حققت استقلالنا الوطني بكل انجازاته وإخفاقاته و تداعياته ودخلنا مرحلة لا يمكن أن توصف إلا بمرحلة الصراعات المصيرية الكبرى، لا أحد يعلم إن كانت ستعرف شحذ وعي ذاتي و تاريخي جديد، أم تغرق في الركود و الغفلة عن التاريخ، لأن المخاض عسير و الولادة يبدو أنها ستكون أعسر . عسير في العراق و عسير في فلسطين و في لبنان و السودان ترافقها صراعات مقدسة، تارة باسم الدين وأخرى باسم القبيلة. وفئات حاكمة مستبدة ظالمة باغية حولت أرض العرب إلى مبغى و سجون متلاصقة سجان يمسك سجان.
    لكن برغم الدم و البارود وغيابات السجون هناك بقعة ضوء تلوح في الأفق من موريتانيا غربا إلى البحرين شرقا ،بقعة ضوء مصممة على توسيعها حركات اجتماعية و نخب فكرية و قيادات سياسية وتجمعات نسائية و فاعلين اجتماعيين تحمل ملامح كتلة تاريخية جديدة هي بصدد بلورت خطابا فكريا نقديا عقلانيا و تنويريا .
    أمة العرب حبلى، و المولود قادم لا ريب فيه، لكن لا أحد يعلم إن كان بهي الطلعة أو مشوها، شرعيا له جذور و امتدادات، أم لقيطا مقطوع الصلة.
    هنا نعيد طرح ذلك السؤال الخالد، ما العمل ؟ لا أحد بمفرده يملك الإجابة، إنها مهمة كل القوى الحية التي ترى أن لها دور تقوم به من اجل صيانة هذا الجسد العربي الجريح.ذلك يتطلب عملية جراحية موجعة ، فيها الكثير من الألم و أدوات جراحية جديدة غير مألوفة و جراحين مهرة لا تشفع لهم مهارتهم إلا إذا تعاملوا مع هذا الجسد الجريح بصدق و بحب وعشق. و أول العلاج تطهيره من غبار الزمن الذي تراكم عليه ، بعدها جس كل الجسد حتى الأعضاء الحساسة، ثم المكاشفة بحقيقة المرض و تاليا الوصفة التي يجب أن يلتزم بها. وهذه المهمة التاريخية التي تفرضها المرحلة القادمة لن يكتب لها النجاح إلا إذا تناولت جميع الأبعاد الإنسانية التي تكون الإطار المرجعي للذات العربية ، بعبارة أوضح ،يجب معالجة ماضينا المجروح وحاضرنا المهزوم و مستقبلنا المغمض العينين. ذلك يتطلب جراحة عميقة تطال ما كرسه التاريخ وتقادم الزمن .لقد اختلط المقدس بالمدنس فأصبحنا لا نميز بين الجوهري و العرضي ، بين الثابت و المتغير، ما هو تاريخي و ما هو أصيل.
    إن ماضينا ليس كله ميتا كما يزعم أدعياء الحداثة إنه ينطوي على الكثير من المضامين الإنسانية والشرايين النابضة، الحية الموصلة بالحياة. لكن وراء الشرايين الحية تتستر الميتة، هنا لا بد أن يتدخل السيف الحاد ويقطع كل الشرايين الميتة فينا ،لكن دون أن يمتد هذا السيف إلى شرايين القلب النابضة الموصلة بالحياة .
    قد يسأل سائل، كيف لنا أن نميز بين الحي و الميت ؟ وما هو المقياس المعتمد في ذلك ؟ و على أي أساس يتم ذلك ؟
    ببساطة شديدة نقول، إنها حقائق العصر و مكاسبه العلمية و منجزاته الحضارية وحدها المقياس الذي يفرز الحي من الميت.هذه الحقائق العلمية تشكل الإطار المرجعي للعصر بأكمله و الموجهة للتاريخ والحياة، وترسم العلاقة بين الإنسان و الإنسان و علاقة الإنسان بالكون .هذه النظرة الكونية تنطلق من الإنسان وتعده مركز الكون و القيمة المطلقة في الوجود . بذلك تتخطى النظرة الدينية للكون التي تعد الإنسان وسيلة و ليس غاية .
    تأسيسا على ذلك فمن يتحدث اليوم عما يسمى حوار الأديان أو، حتى الاجتهاد ، يعد خارج التاريخ وخارج العصر بأكمله ويسقط في مغالطة فكرية و تاريخية. إن الدين، أي دين ، هو أسلوب وعي غيبي يضبط العلاقة بين الإنسان و خالقه،من خلال نسق فكري مترابط و بنية مغلقة لا يقبل التجزئة أو الحذف والتعديل ،أو الإضافة من الخارج .من هنا نفهم مفردة لا اجتهاد مع النص .و هذا يتنافى أيضا مع الحوار الذي يقوم أساسا على مبدأ التنازل للوصول للتراضي و الدين لا يقبل أن يتنازل عن جزء من بنيته أو تعديل نسقه و إذا رضي بذلك يتحول من دين إلى أيديولوجيا. لذلك نقول أن الأديان تتعايش ولا تتحاور وهذا موضوع يحتاج إلى وقفة خاصة.
    كما أن الحداثة بوصفها النظرة الكونية الجديدة حسمت الموقف، منذ قرون، فلم يعد الدين في أوروبا إطارا مرجعيا. لقد حل محله العقل و العلم والعلمانية هذه الأخيرة التي أسيء فهمها في عالمنا العربي وذلك عائد لعدة ملابسات تاريخية ليس مجال التفصيل فيها الآن. فالعلمانية بوصفها إحدى حقائق العصر ومكوناته ليست دين جديد ،بل هي آلية ، هي جهاز ، لترتيب العلاقة بين الدين و الدنيا. كما أنها ليست دعوة للإلحاد، بل للمحافظة على المكانة المبجلة للدين بإبعاده عن تلوث السياسة و مصالح البشر الدنيوية.
    وإذا رضي الدين أن يُلف في لُفافة السياسة الملوثة و يدخل في لعبة مصالح البشر الدنيوية والأنانية ، يجب أن يتحمل التبعات لأنها حتما تلوثه وتضعه على قارعة الطريق لتدوسه أرجل المتصارعين و تركله يمينا وشمالا فيفقد هبته و وقاره وتبجيله واحترامه ويتحول إلى مجرد أيديولوجية ماضوية .
    هذا فضلا عن الحواجز التي يضعها أمامنا من أجل التواصل الحضاري و الإسهام في بناء وحدة التاريخ الإنساني الذي يعد جسر عبور للعصر و الشريان النابض بالحياة بدونه يتعذر أخراج ذلك الجسد العربي الجريح من غرفة الإنعاش.هنا تُطرح أمامنا مسألة أخرى شديدة الأهمية وهي الآليات المعرفية و الأدوات المنهجية و الإطار النظري.هذه تسهُل عندما نجعل حقائق العصر أطارا مرجعيا للفكر العربي فهو الذي يزودنا بالأدوات اللازمة للجراحة الناجحة.
    يستلزم ذلك، بالضرورة ، إعادة ترتيب العلاقة مع مالك هذه الأدوات الجراحية الراقية ،إنه الغرب المتقدم الذي يملك جميع مفاتيح التاريخ، و يسيطر على جميع الأبواب الموصلة للعصر، ولا يسمح أن يكون له أنداد .ولن يقف ضد مصالحه ويسلمنا مفاتيح التاريخ ، و يفتح لنا أبواب العصر، هكذا لله وفي سبيل الله .الغرب ليس جمعية خيرية للبر والإحسان ،كما تتصوره بعض العقول الساذجة من خلال تلك الدعوة المتهافتة فكريا و تاريخيا التي تسمى حوار الحضارات .و العراق و إيران أسوة إن كنتم غافلين .
    إن ترتيب العلاقة مع الغرب التي يتوقف عليها مصير و مستقبل أمتنا، يتطلب جدلا حضاريا قاسيا و شاقا و مضنيا ودروبا وعرة تتطلب الحذر و اليقظة . لأن المسيرة الإنسانية حكمها و يظل يحكمها الصراع، وفي أحيان كثيرة اتخذ أشكالا دموية لأن التاريخ يخضع لجدل صارم،جدل الفكرة و نقيضها، و النقيض يعني النفي و الإلغاء .لهذا فإن صاموئيل هانتنتغن ،من الناحية النظرية، لم يكن مخطئا. نحن الذين لم نحسن قراءة ، لا صاموئيل هانتنتغن ،و لا فوكوياما ، و لا العقل الغربي ، لقد عبر الرجلان عن الأهداف الإستراتيجية الكبرى، و المصالح العليا للأمة الأمريكية ومن واجبهم أن يحددوا الأخطار ويرسموا المعالم على الطريق .
    و إذا صحت هذه الملاحظات، يتطلب منا تصويب و عينا التاريخي و وضع معايير جديدة للعقل العربي بمقتضاها نعيد صياغة الكثير من المفاهيم و ترتيب الأولويات حتى نتمكن من استيعاب آليات العصر وإدارة الصراع . وأول خطوة لإدارة الصراع الحضاري بيننا و بين الآخر المتقدم هو، الكف عن تسجيل المواقف و نفكر في كيفية تحقيق المصالح. ذلك يتطلب التمييز بدقة بين الغرب الاستعماري و الغرب الحضاري.
    الغرب ليس واحد متجانسا، ، هناك الغرب المعرفي و الإنساني و التنويري و الحضاري و هناك الغرب الأيديولوجي والاستعماري البشع .وبقدر ما نهتف ضد وجهه الاستعماري البشع يجب أن نبني الجسور المتينة و القوية والصادقة مع وجهه الحضاري المستنير.
    هذه المهمة التاريخية لن تتحقق إلا إذا توفرت كتلة تاريخية تمتلك وعيا ذاتيا حادا و مدركة للأخطار المحدقة بنا داخليا و خارجيا ، يتحتم عليها أن تضع على رأس جدول أعمالها ، القطع مع القوى المنتهية الصلاحية التاريخية التي تبحث عن إطالة عمرها من خلال تحالفات ،تارة باسم المصالحة، و أخرى باسم المراجعات الفقهية .وهذا يتطلب توسيع التحالف مع كل القوى الحية على امتداد الوطن العربي لأن الهجمة شاملة يتعذر مجابهتها بتلك القبائل العربية المشتتة، المزهوة بنفسها ، التي رُسِمت حدودها من قبل دبلوماسيي بلاد بعيدة ، وتسمي نفسها دولا ،في عصر التكتلات الكبرى.
    إنها الرهانات الكبرى التي يواجهها الفكر العربي ، إذا خسرها ندخل في نفق مظلم لن نخرج منه إلا بعد أجيال .

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 2:07 pm